الأربعاء، 22 يونيو 2022

رحلات متواصلة - 2 - الشاعرة الراقية: مليكة هالي

 رحلات متواصلة - 2 -

            مليكة هالي

غاية صعب علي وصولها، و أنا أركب سفينة الزمان، و أبحر مع متغيراته؛ لأكون صامدة أمام تقلباته، و أحمل تطلعات لغد أجمل، يبقيني مسافرة، أسبح في واقع، أنسلخ عنه بخيال يداعب بتصوراتي له مشاعري الحالمة و الرانية لعبور  مسالك، قصد نيل حرية، مفعمة بالمحبة و الحنان.

  عبرت أزقة و شوارع المدينة، و تهت بين ممراتها؛ لأجدني قرب بحر أمواجه هادئة، استأنست بها روحي هنيهات.

   سؤال ظل يجول خاطري مستبدا بها، رغم تمنعي عن طرحه كي لا تفر مني هذه اللحظات الجميلة، و الشمس تداعب وجنتي و ريح كانت تهز ما أخف حولي؛ لتضفي على جلستي راحة و أمانا. ذلك السؤال كان يكسر أجنحة خيالي المتطاير، الذي يصبو للرحيل نحو عمق الشمس و خيوطها التي تجعلني مبتسمة

  رغم محاولاتي في الإبتعاد عن كل سؤال، كان يراودني، ظل ذلك السؤال يتردد على مسامعي،  قائلا:

-هل ينبثق ذلك النور أمامي، و يضفي جمالا على مسار حياتي ؟

كنت أود أن أجري وسط الرمال نحو البحر و أغوص في عمق أمواجه أضمها و تعانقني تهزني هزات متتالية و أشعة الشمس تتراقص قربي و فوق جسدي، لكن رغباتي كان تخضع لعالم مضاد لها يتمنع عن تحقيقها و كان الزمان أقوى مانع؛ لينبثق ذلك النور، ففي الوجدان جرح يسعى للتضميد، و ذلك النور شفاء له.

قالت لي تلك البائعة المتجولة المسماة حسناء بصوت يحمل في طياته ما لقنته إياها، متاعب الحياة من تداريب قصد جلب الزبناء لشراء بضاعتها، التي هي عبارة عن دجاج و بيض قائلة:

- أرى نورا ساطعا على وجهك، و ارتحت إليك

كلماتها حركت ما يخفى في جوف أحاسيسي، و تساءلت مع نفسي، قائلة:

أصحيح يتوهج وجهي بذلك النور الذي أتوخى منه الكثير و أرجوه منتشرا في كل الدروب، أم كلامها مجرد حيلة لتستميلني كي أبتاع بضاعتها ؟

قاطع تفكيري كلامها و هي تردف قائلة:

-آتي عندي، إلى بلدتي التي تقرب هذه المدينة، سأذبح لك ديكا روميا و ستستمتعين بمذاق اللبن الطبيعي و الزبدة، و جميع المناظر الخلابة، صدقيني ارتحت إليك، و ستكونين في ضيافتي معززة مكرمة.

أجبتها و أنا أبتسم و حرارة أحسها كانت تسري في جسمي:

-سأفعل لكن ليس الآن لدي مشاغيل، لا يمكن تأجيلها

دسست في يدها ثمن مشترياتي، و انصرفت، و ظل كلامها يجول مخيلتي و كنت مستمتعة بما حكته لي عن عالمها البدوي و مناظره الخلابة.

كان بإمكاني إطالة الحوار معها، و كان بإمكاني أن أسألها عن موقع بلدها، و كان بإمكاني أن أسجل على مذكرة هاتفي، رقم خط هاتفها، و كان بإمكاني أن أمنحها ثقتي، و كان بإمكاني عدم قطع حبل الوصال بيننا، لكنني كعادتي كنت أبتعد، تخفني وساويس تعصف بخيالي تدفعني للتقوقع في عمق ذاتي المتطلعة للنور.

كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا، و كنت أستعد لمغادرة المكان، و كانت تجليات الشمس على المكان متبينة، و كانت نسمات الصباح  لطيفة، انتعشت معها نفسي، و كنت أحمل حقيبتي الصغيرة على كتفي الأيسر، و أنا أدير المفتاح وسط القفل، كان ذلك القط يموء قربي، و يدور بين قدمي، محاولا عرقلة مساري، لكني واصلت المسير، و ظل يتبعني حتى امتطيت سيارة أجرة صغيرة، متوجهة نحو محطة المسافرين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق