*حينَ يختنقُ الهواءُ... تنادي الأرضُ*
هل سمعتمُ الصوتَ؟
إنه ليس زئيرَ الريحِ،
ولا نداءَ الطيورِ،
بل شهقةُ الأرضِ،
حينَ اختنقت بالغبارِ والدخانِ.
تنظرُ السماءُ بأسى،
حافيةٌ من الغيومِ،
عطشى للمطرِ الذي خجلَ من النزولِ،
هربَ... خوفًا من أن يُصبحَ
سُمًا في الشوارعِ!
أما الأطفالُ، فهم يركضونَ،
لكن ليس وراء الفراشاتِ،
بل خلفَ أقنعةٍ تخنقُ البراءةَ،
خلفَ جدرانٍ تحبسُ الهواءَ...
كأنهُ كنزٌ مفقودٌ.
ولكن انتظروا...
هناك يدٌ صغيرةٌ تغرسُ شجرةً،
وهناك عينٌ تراقبُ الزهرةَ وهي تكبرُ،
وهناك قلبٌ لا يزالَ يحلمُ بسماءٍ نقيةٍ.
الأرضُ لا تُطالبُ بالكثيرِ،
مجردُ يدٍ تمسحُ الغبارَ عنها،
مجردُ قرارٍ يُعيدُ للحياةِ حقّها،
حينها، ستبتسمُ الشمسُ،
وتعودُ الريحُ لتُغني أغنيةَ النقاءِ.
حين يعبثُ البشرُ
أيها الهواءُ الذي كان يوماً صافياً،
ماذا فعلوا بكَ؟
ألبسوكَ معطفَ الدخانِ،
وألقوا بكَ في الزحامِ
كأنكَ بلا عنوانِ.
حتى الشمسُ صارت ترتدي
قبعةً لتخففَ وهجَها،
والغيمُ باتَ يُهربُ
من المطرَ خوفاً من الوباءِ.
في الشوارعِ، الأطفالُ يتنفسون الأملَ،
لكن أنوفهم تستنشقُ الكربونَ،
وأحلامهم باتت حبيسةً خلف أقنعةٍ،
هل هذا المستقبلُ الذي وعدناهم به؟
أيها البشرُ، قذفتمُ النفاياتَ
في كل بحرٍ،
زرعتمُ البلاستيكَ في بطونِ الأسماكِ،
ورسمتمُ خنقَ الأرضِ
على كل جدارٍ،
ثم تساءلتم بصوتٍ حزين:
"لماذا تبدو الطبيعةُ غاضبةً؟"
لكن مهلاً…
الأملُ هنا، لا يضيعُ في الدخانِ،
هناك طفلةٌ زرعت شجرةً
في حديقةٍ صغيرةٍ،
وهناك فتى صنعَ روبوتاً
يحولُ القمامةَ إلى جمالٍ.
والأنهارُ بدأت تستعيدُ لونَها،
لأنها أيادي ملطخةٍ بالأملِ
بدلاً من التلوثِ،
أعادت لها الحياة.
لا يزالُ فينا قُدرةٌ على الإصلاحِ،
بكلِ بسمةٍ، بكل خطوةٍ، بكل غرسةٍ،
يمكننا أن نُعيدَ الأرضَ إلى نقائها،
ونُرسمُ للأطفالِ سماءً زرقاءَ،
مملوءةً بنجومِ الأملِ ونسائم الحياة.
في أعماق الغابات، هناك أوركسترا هادئة،
تُعزف بأصوات الشلالات
وهمسات الرياح بين أوراق الشجر.
الألوان تتناغم في لوحةٍ
لا يرسمها إلا الخالقُ العظيم،
الأخضر يغني للأزرق،
والبني يحتضن ألوان الزهور.
البحر… ذلك الامتداد اللامتناهي
من الحلم الازرق الممند
يعانق الأفق، ويحكي للسماء
أسرار الموجات الهادئة والثائرة.
كل حبة رمل على الشاطئ
هي قصة من ملايين السنين،
وشروق الشمس هناك…
هو وعد جديد بالسلام.
الجبال… تلك العجائب التي ترتفع
كأنها حكايات صامدة،
تُكللها قمم مغطاة بالثلوج،
تحمل في صمتها قوة الأبدية.
وفي الأودية، تجري الأنهار
كأنها ألحانُ الطبيعة التي لا تنتهي،
تمدّ الحياة وتهمس للجميع:
"استمروا، الحياة أجمل مما تظنون."
والسماء ليلاً، بساطٌ مخمليٌّ
مزينٌ بمصابيح النجوم،
تُرشد الحالمين
وتسكن قلوب العاشقين،
تعكس جمال الكون وتعطي وعدًا…
أن الظلام يُنجب النور.
النحل يُلقّح الأزهار،
والعصافير تغني ألحانها،
حتى كتلك الفراشة التي
ترقص على نسيم الصباح،
بقلمي فاطمة الزهراء طهري الريش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق