"كانَ وَداعًا بالكَلِماتِ"
اِنكَسَرَ الحَرفُ على حافَةِ فَمي،
حينَ لَم يَجِدْ سَبيلًا للهُروبِ إِلّا الصَّمت.
تَعَثَّرَ اللِّسانُ بِما تَبقّى مِنكَ،
فصارَ يَنزِفُ المَعنى بَدَلَ الحَنين.
شاخَتِ الحَنجَرةُ قَبلَ أَوانِها،
وهي تُحاوِلُ أَن تُنجِبَ وَداعًا لا يَموت.
ما كُنتُ يَومًا
إلّا اِرتِجافَةَ هَواءٍ تَبحَثُ عَن جَسَد،
فوقَ خَرائِطِ الذّاكرَةِ المُـمَزَّقَةِ بِكَ.
غَدَتِ الكَلِمَةُ تابوتًا،
تَحمِلُ بَقايايَ في مَمَرّاتِ الغِيابِ الطَّويل،
وتُوَدِّعُني بِصَوتٍ يُشبِهُ صَريرَ المَوْتِ.
أَقامَ الصَّمتُ مَأتمًا لِلصَّوت،
في مَقبَرةِ الرَّسائلِ المُبَعثَرَةِ على أَرصِفَةِ الاِنتِظار.
ما تَحَدَّثنا،
بَل رَجمْنا
بِصُخورٍ مُطليَّةٍ بِبَلاغَةِ المُوارَبَة.
لَم تَكُنِ الكَلِماتُ لِلوَصل،
بَل طَعناتٍ مُؤَدَّبَة،
تَختَبِئُ خَلفَ القَوافي.
رُبَّما لَم يَكُنِ الوَداعُ نِهايَة،
بَل البِدءُ الخَفِيّ
لِفَصلٍ لَم نَعرِفْ قِراءَتَهُ بَعد.
لَم نَفتَرِق،
بَل تَساقَطنا كَوَرَقِ الخَريف،
ظَنَنّا أَنَّ الرِّيحَ وَعدٌ مُؤَجَّلٌ بِالرَّحيل.
ومُنذُ ذلِكَ الحين،
لَم أَعُدْ أَنا،
حينَ صارَتِ اللُّغَةُ
مِرآةً مَكسورَةً في جَيبِ الوَجع.
وكانَتِ النِهايَةُ
صَمتًا يُدَوِّنُ في دَفتَرِ الأَكوان،
أَنَّ المَعنى لا يُقال،
بَل يُحتَضَر.
الوَداعُ لا يَسكُنُ الفَم،
بَل يَسكُنُ تَشَقُّقاتِ الرُّوح،
حينَ تُحاوِلُ أَن تُرَمِّمَ نَفسَها بِالكَلام،
فَتَتهَدَّمُ أَكثَر.
اللُّغَةُ لَيسَت وَطنًا،
بَل مَنفًى يَتَكَلَّمُ بِاسمِ العائِدين،
ويَجهَشُ بِالبُكاءِ عَنهُم.
الكَلِمَةُ الأَخِيرَةُ لا تُقال،
بَل تَبقى غُصَّةً
في حَلقِ الوُجود،
وصَدىً يَدورُ في الغِياب،
كَأَنَّهُ لَم يُخلَق
إلّا لِيَضيع.
بقلم دنيا محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق