ما بينك وبين الورد، ٦٢
أنا ما بين الشك والحيرة.
بقلم الشاعر إبراهيم العمر
تهيم روحك فوقي مثل كفوف الغمام،
تجنّ روحي وتنتفض مثل رفوف اليمام،
ينابيعي تفيض وتنتشي من حروف الهيام،
لا تخشي على حبي لك أن ينضب...
أنا كلما لاح لي طيفك أملأ جرارك،
ولو كنتِ بعيدةً يصلكِ مع الحمام.
كنتِ حلمًا أتمنى أن أراه في المنام...
أصبحتِ واقعًا جميلًا لا يدعني أنام.
لا تخافي على ورداتي من الذبول،
كلما نهلتِ من شذاها، عمرها يطول.
هي لا تدري من أين يفوح الشذا،
تخال نفسها هي التي تنهل من عطرك،
من كثرة ما حنَّت إلى لمساتك،
كسَّرت من شدة الشوق شوكاتها.
وأنا بتُّ أحتار بينكِ وبين الورد،
والورد بات يتعجَّبُ من حيرتي.
الورد من ورق، لا يلبث أن يذبل ويتلاشى عطره،
وأنتِ من لحم ودم،
دائمة السحر والشذا،
وعطرك لا يضيع مع كثرة الشَّم.
لا أحسد الورد إلا عندما أخاله يرتعش،
وهو يكاد يلامس منخريكِ،
وأتمنى للحظة لو كنتُ مكان الورد.
وليأخذ الورد ما شاء من أيامي وسنيني،
لو يعلم الورد عن شوقي وحنيني،
لكان الورد لكِ يهديني.
كلما أردتُ أن أقطف الورد وأهديكِ،
ولو أن للورد مشاعر وأحاسيس،
لكان قد عصر من رائحة جسدكِ عطره،
ولكان الورد مجنونًا أكثر مني.
وأنا الذي كلما قرأتُ كلماتكِ أبدو كأني
منتشيًا من رائحة العطر، لأني
أحسب من كلماتكِ أقطف باقات الورد،
وأحسبها، من الوهج، لؤلؤًا بتلات الزهر،
وأحسب العطر يضوع من كل حرف،
وكل حرف يبدو لي مثل حبة الكرز،
وكل كلمة تعبق بشذا الزعتر والمنثور والريحان...
ويتوه فكري وأسْرَح بين حبات الكرز والعقيق والمرجان،
وبين الجبال والمروج والوديان،
ورائحة السوسن والليلك والبيلسان،
وبين المانغا والتوت والرمان،
وبين السهول حيث يسرح الرعيان،
وحيث تتصدر زهرة شقائق النعمان،
تنحني الحسرة في رغبات الوجدان،
ويأكلني الشوق ويسلخني الحنان،
وتنزلق على جفوني دموعٌ من خوابي النسيان.
كأنني أفتش في الماضي عن شجرة السنديان،
التي حفرنا عليها تحت السماء الزرقاء حرفين...
كأني أرغب لو أتوقف لحظة في زمن الحرمان،
حيث أتمنى لو أسلخ من الحاضر يومين،
يسمحان لي بالرجوع،
أركع على الجذوع،
وأصلي.
اعذريني، حبيبتي، كلما رفعت يدي إلى فوق،
فأنا وردة برية تستمد عبيرها من الشوك.
أخاف أن تجرح أناملكِ أشواكي،
لو خطر لكِ في لحظة عشق أن تقطفيني.
أنا أشواكي نزوات فطرية،
هي صرخات عفوية،
هي احتياجات جسدية.
أنا لا أناقش العلاقة بين جمال الوردة وعطرها وبين الأشواك،
إنها علاقة ربانية.
أنا مثل تلك الوردة،
ولا أناقش العلاقة بين نقاوة الروح وغرائز الجسد.
قد نقسو أحيانًا على الجسد،
وقد نقسو على الروح،
وقد يكون هناك خلل في العلاقة.
أنا لا أناقش الأرواح المشتاقة،
ولا أقسو على الأجساد حين تتلاقى.
قد تكون الأرواح مثل الأزهار،
وقد تكون الأجساد مثل الأرض،
وقد تكون العلاقة بين الأجساد
مثل العناية بالتربة،
مثل الماء ومثل السماد.
هي الروح مثل الزهرة،
لها دورة حياتية
لا تلبث بعدها إلا أن تترك هذا الجسد،
لتهيم في السماوات،
في رعاية الرب،
ليعود الجسد إلى التراب،
وسرعان ما تزول كل معالمه،
ولا يبقى من الإنسان إلا الحكايات...
وقد لا يجد من يحكي عنه،
وقد لا يترك شيئًا من الذكريات.
وقد تكون الروح مثل الشمس، ومثل الوهج، ومثل الضوء، ومثل النهار،
ويكون الجسد مثل الليل، ومثل الصمت، ومثل الملجأ الدافئ.
وهناك علاقة وحاجة بين النهار والليل،
وقد يكون الإنسان جزءًا من تلك العلاقة،
ويكون الجسد جزءًا من تلك الحاجة،
وليست الرغبة إلا صرخة ونداء،
وليست الدمعة إلا خيانة للعين.
أرجوكِ، حبيبتي، انتبهي!
فقد تكون كلماتي مجرد هلوسة،
وليس لها علاقة بالتحليل والفلسفة،
قد تكون مجرد أعذار،
وليس لها علاقة بالأسرار.
أخاف أن يكون هناك في أعماقي...
نزعة شر وهمجية،
وقد أبدو ضحية.
كوني عاقلة،
وحاولي أن تري الصورة بوضوح.
قد لا يكون دائمًا بريئًا النسر المجروح...