بائعةُ التُّرْمُس
**********قصةٌ قصيرةٌبقلمي / أحمد سرحان
*****************
"تحتَ ظلِّ الشجرِ العجوزِ على شاطئِ النيلِ ، أنتظرُ الغروبَ ، الشمسُ تميلُ شيئًا فشيئًا ، وتبدأُ تختفي خلفَ الجبل.
والعصافيرُ فوقي ملَّتْ من الغناء ، والأوراقُ اليانعةُ في الشجرِ تقبعُ في سكونٍ لا تتحركُ ؛ تنتظرُ الظلامَ ، والأوراقُ الذابلةُ قد ودَّعتْها الغصونُ وألقتْ بها على الأرضِ ؛ لتنتظرَ الأقدامَ ؛ لتصنعَها عصفًا تأكلُه الأرضُ والدَّواب .
كنتُ جالسًا على مقعدٍ من الأسمنتِ ،
وجوارى زجاجةُ ماءٍ ، وعلبةُ عصيرٍ ، وبعضًا من الحلوى ، وورقةٌ ، وقلمٌ بدأَ ينفدُ حبرُه .
شردَ ذهني ، وبدأتِ الذكرياتُ تعصفُ في عقلي ، وانتبهتُ على صوتٍ صغيرٍ ابنِ خمسةِ أعوامٍ أو يزيدُ شهورًا..
(اشترِ منِّى بعضَ التُّرمُسِ ، يا عَمُّ.. )
تسمرتْ عيناى في عينيها الفردوستينِ ،
وكانتْ يدُها الصغيرةُ تلهو على كتفي، وابتسمت...
قالت : أبيعُ التُّرمُسَ أنا وأبي لنعيش ..
عيناها فردوستان ، ووجهُها كوجهِ السماءِ عند الغروبِ ، وثيابُها الرثَّةُ تنعمُ على جسدِها الطاهر..
أعطيتُها بعضَ الجنيهاتِ، وبعضَ الحلوى ، فرحتْ وأخذتْ تلهو بالورقِ المتساقطِ من الشجرِ ، ثم ذهبتْ للنيلِ وهي ترفعُ بيديها الصغيرتين بعضَ الماءِ إلى السماءِ ، وتعلو ضحكاتُها البريئةُ ...
وأنا أكتبُ آخرَ كلماتٍ على الورقةِ ، بما تبقى من الحبرِ ..
(أيها النيلُ أنقذتَها من العطشِ والجوعِ والحزنِ..)
*************
بقلمي
أحمد سرحان
مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق