الأحد، 6 أبريل 2025

الشاعر: دنيا محمد

 "اعتنِقِ الإنسانيَّةَ"

اعتنِقِ الإنسانيَّةَ،
لا كخِيارٍ يُطرَحُ على طاولةِ النِّقاش،
بل كنجاةٍ أَخيرةٍ منَ الغَرَقِ في وَهْمِ التَّفَوُّقِ.
اعتنِقها،
كما يَعتَنِقُ الغَريقُ الهَوَاءَ الأَوَّلَ،
كما يَحتَضِنُ العُشبُ المَطَرَ بعدَ جَفافٍ لا يُحصَى.
لا تُقايِضْها بالانتماءِ،
فالانتماءُ قد يَحفِرُ خَندقًا،
لكنَّ الإنسانيَّةَ تُشيِّدُ جِسرًا.
لا تُحاصِرْها بالسُّؤالِ:
«هل تُشبهُني؟ هل تَنتسِبُ إِلَيَّ؟ هل تَحمِلُ مَلامِحي؟»
فالإنسانُ لا يُقاسُ بمَراياكَ،
بل بالرَّعشةِ الَّتي تُصيبُكَ حينَ يَئِنُّ،
وبالصَّمتِ الَّذي يَتَشَقَّقُ في داخِلِكَ حينَ يَنهارُ.
اعتنِقِ الإنسانيَّةَ،
قبلَ أن تُصابَ بالعدوى النَّقيضةِ:
جَفافُ العَينِ أمامَ الدَّمِ،
خُشونةُ القلبِ أمامَ الرُّكامِ،
وبُرودَةُ الضَّميرِ في مَواسمِ الذُّعرِ العامِّ.
لا تَسألْ عن لَونِ أَصابِعِه،
بل عن أَثَرِ الأَبوابِ المُغلَقَةِ على كَتِفِه.
لا تَسألْ عن نُطقِ اسمِه،
بل عن كَمِّ الغُصَصِ المَعجُونَةِ في صَوتِه.
اعتنِقِ الإنسانيَّةَ،
حينَ تَرَى وَجهًا تَعبًا يَحتَمِي بالصَّمتِ،
وحِذاءً مَثقُوبًا يُقاوِمُ الطَّريقَ،
وجُرحًا لم يَعُد يَبحَثُ عن مُبرِّرٍ لِيَبقَى.
فَكِّرْ:
كيفَ لِظِلٍّ أَن يَحتَمِيَ بِظِلٍّ؟
كيفَ لِلوَجَعِ أَن يُصَنَّفَ على هُوِيَّةٍ؟
وكَيفَ لِيَدٍ تَرتَجِفُ أَن تُهَدَّدَ بِاسمِ الحُدودِ؟
اعتنِقِ الإنسانيَّةَ،
حينَ تُصبِحُ الحَقِيقَةُ بِضاعَةً مُهَرَّبَةً،
والكَذِبُ زِيًّا رَسمِيًّا،
والقَسوَةُ فَنًّا جَماهيريًّا.
اِفتَحْ نافِذَةً في قَلبِكَ،
لَيسَ لِتَهوِيَةِ الفِكرَةِ،
بل لِيَدخُلَ ضَوءٌ لا يَحمِلُ عَلَمًا،
ولا يَبحَثُ عن جُغرافيَا.
اعتنِقِ الإنسانيَّةَ،
لا لِأَنَّها المَخرَجُ،
بل لِأَنَّها المَدخلُ الوَحيدُ لك
حتى تَبقى إنسانًا.
بقلم دنيا محمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القُدْسُ فِي عِيدِهَا.قلم الكاتب الرائع:حمدان حمّودة الوصيّف... (تونس)

  القُدْسُ فِي عِيدِهَا. سَلُوا القُدْسَ مَا العِيدُ فِي أَرْضِهَا ومَا الفَـرَحُ الصَّاخِبُ الطَّافِـحُ؟ وسَلْ مَرْيَـمًا والمَسِيحَ، هُـنَ...