رحلات متواصلة - 3 -
مليكة هالي
دوائر متداخلة تجول أمامي، تتحول إلى شبابيك منسوجة، تضغط على مخيلتي، تتقطع في جوفها خيوط الماضي، و هو يفقد تسلسل مسار الزمان، و أنا أمشي على مهل فوق أرض متغيراتها بطيئة التطور، و كنت أستمع لأصوات مختلفة المصادر، و أحسها تعج بالحياة، و ما كان يحسسني بالإطمئنان، هي تلك المياه المتدفقة على قدمي، المنبعثة من بحر، كانت تلفني نسائمه ببرودة، تسري على جسمي كله، و تنعشني برائحة زكية.
وضعت منديلا يحمل لون برتقالي، فوق الرمال، الذهبية، و استلقيت فوقه، واضعة كفي يدي تحت مؤخرة رأسي، و كانت مظلتي الشمسية تكاد تخفيني عن أنظار العيون، فغفوت للحظات، أُخذت خلالها إلى حلم مزعج، حيث سمعت ذئبا يعوي، و أحسسته يمزق جزء من أطرافي، و رأيت دما غزيرا يغطي جسدي، و كنت أستحم بمياه البحر، و هي تمتزج بدمي، و رأيت البحر ملونا بالأحمر، فرغبت في الصراخ، لكن لساني ثقل.
لم تكن الأشياء تستقيم لي، و كنت كورقة شجرة تعبث بها الرياح، و أنا أبحث عن استقرار وجداني، يبعدني عن عزلة قاتلة، وجدتني قرب البحر، وحيدة، و كابوس مزعج يسيطر على حلمي، فاختلطت الأصوات حولي و كثرت الذئاب قربي، صدقوني، فقد رأيتها تصارع بعضها، و تكاد تخفيني عن الشمس، و البحر تحول إلى أمواج حمراء.
من بين تلك الأمواج، برز وجه آدمي، ذو شارب أسود اللون، تغطي شعيراته جوانب فيه، الذي كانت تظهر منه أسنان مسوسة، و هو يصرخ بأعلى صوته، قائلا:
-الشمس حارقة، هيا إلى البحر، مياهه عذبة ستنعشكم.
من شدة الهلع، أفقت، فوجدتني في مكاني، و جسمي كان يحترق، و يصب عرقا.
بسرعة جريت نحو البحر، و استلقيت في جوف مياهه، كم استمتعت ؟ و أنا أغوص وسط الأمواج، بعد مروري بغفوة مريرة، و الشمس تلقي بي، في حلم مفزع، و خيوطها كانت تلهب جسدي
في اليوم الموالي، و الساعة كانت تشير إلى السابعة صباحا، كنت أحمل حقيبتي، و الشمس كانت تداعب وجنتي، و ذلك القط، كان يموء قربي، و أنا أدير المفتاح وسط القفل، هذا القط يهيج حيرتي، لماذا ينتظرني، كأنه يترجى عودتي ؟ كيف ملأت فؤاده الصغير محبة، دون أن أزوده بأي طعام ؟ فكلما رآني،يدنو مني، و يلتصق بقدمي.
هكذا بقي يتبعني، و هو يموء، حتى امتطيت سيارة أجرة صغيرة، متوجهة نحو محطة المسافرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق